April 15, 2010

الإسلام من مكة إلى سيتى ستارز!



لا أدرى هل هى الصدفة التى جمعت كل هذه الأشواك فى طريقى خلال الفترة الماضية مما أرق مضجعى وأصابنى بالغيظ والكمد، أم أن الأمر بالفعل قد أصبح "هوجة" لكل من هب ودب؟.. فالكل يتحدث ويناضل من أجل هذه القيمة العظيمة ألا وهى.. الدعوة للابتعاد عن الدين للحاق بركب التقدم!
هذه النغمة تزداد يوما بعد يوم، ولا يستطيع أحد أن يناقشها أو يجادلها خوفا من أن يتهم بالرجعية والتخلف، والكل يهز رأسه موافقا على هذه الدعاوى "النبيلة" التى تكشف عن هذا العلم المتدفق الذى حققته مصر عندما ابتعدت عن الدين!
كلما جلست لأتابع أى برنامج الآن صدمتنى هذه الوجوه، فتارة يكون الضيف نجما سينمائيا وتارة يكون وزيرا أو كاتبا صحفيا أو حتى ما يطلقون عليه مفكرا إسلاميا، وعادة ما يكون مع هذا الضيف راقصة أو فنانة لتدلى بدلوها هى الأخرى فى نظرتها للدين الإسلامى وكيف أنه "دين قلوب" وأن علاقتها مع الله ليست مع الناس، ودائما ما يكون على ألسنتهم هذه الجملة الخالدة: "الناس طلعوا القمر برة، واحنا لسة بنتناقش ندخل الحمام برجلنا اليمين وللا الشمال"؟!
كل من هؤلاء عندما تسمعه تظن أنه بينه وبين اتِّـباع سنة النبى صلى الله عليه وسلم (تار بايت).. كلما سمع كلمة عن الحجاب أو غض البصر أو قدسية القرآن أرغى وأزبد ورفع صوته بأن كل هذا قابل للتعديل وأن القرآن كلام يستحق القبول أوالرفض وأن الحجاب عادة قبلية يمنع المرأة من التفكير لأنه يغطى عقلها.. وغير ذلك من الأمور!
لا أدعى أننى ممن يلتزم بدينه التزاما كاملا غير ناقص، ولكننى أعتقد أن بداخل كل منا هالة من نور الحق، تخبو قليلا إذا علاها رماد الذنب والنسيان ولكنها تسطع فى فورة الدفاع عن الدين، والآن ولأننى بصراحة فاض بى الكيل فإننى بكل أدب أسأل كل هؤلاء: وكيف عطلكم الدين عن التقدم؟
الذى قال متحسرا إن الناس تشغل نفسها بدخول الحمام بالقدم اليمنى أو اليسرى، كيف عطلك هذا عن الصعود للقمر؟؟ هل يبقى المسلم أمام الحمام خمسين عاما يفكر بأى قدم سيدخل الحمام، ولهذا ستضيع منه الرحلة لاستكشاف القمر؟؟ ما المشكلة فى أن أدخل الحمام بقدمى اليسرى وفى نفس الوقت أكون أعظم مخترع فى البشرية؟؟ ألم يكن كل علمائنا الأوائل الذين طاف علمهم كل بلاد الدنيا من هؤلاء الذين يدخلون بقدمهم اليسرى ويتبعون سنة النبى؟؟ كيف اخترعوا كل هذه الاختراعات إذن وهم يصلون ويصومون ويحجون ولا يأكلون إلا الزيت والخبز كما ورد فى كثير من الآثار؟؟ هل من الضرورى أن أتناول السيمون فيميه ثم أغطس فى الجاكوزى وأدخل حمام مغطى بسيراميكا كليوباترا وأخرج لأجلس فى التكييف مع سيجارتين مع سب الدين حتى أصعد إلى القمر؟؟
ما المشكلة فى أننى عندما أستقل الصاروخ صاعدا إلى القمر أن أقول دعاء الركوب؟؟ هل هى سبة فى جبين العلم والعلماء؟؟ هل سيعطلنى هذا الدعاء عن أمور عظيمة أكثر أهمية مثل ملء الزمزميات والتأكد من الساندويتشات للرحلة؟؟ والذى قال إن حجاب المرأة يعزلها عن العالم ويكبح تفكيرها لأنه يغطى عقلها، فما أعرفه وما درسته فى الأحياء أن الذى يعلو جسد المرأة هو الرأس أو الدماغ أو الجمجمة وليس العقل بالتأكيد، فالعقل هو ذلك الشيء اللامحسوس الذى يجعلنا نعقل الأشياء وليس ذلك الجزء المادى حتى يغطيه الحجاب، وإذا افترضنا أن العقل هو ما يغطيه الحجاب بالفعل، فمن الذى اخترع هذا الاختراع المدهش الذى يؤكد أن عقل المرأة يتأثر بالغطاء؟؟ وهل غاب عن مخترع هذا الاختراع أن نصف دينه _إذا كان مهتما بهذا الدين أصلا_ قد أخذه ممن كانت ترتدى الحجاب والنقاب ألا وهى السيدة عائشة أم المؤمنين ناهيك عن ألوف المسلمات اللاتى أثبتن رجاحة عقلهن فى كل ميادين العمل وهن يرتدين هذا الذى يكبح جماح العقل؟ كيف يمنع الحجاب عقل المرأة إذن؟
أما عن حرية الرأى فحدث ولا حرج، فدائما هناك مكيالان لحرية الرأى المزعومة هذه، فإذا سب أحدهم الدين أو الله _تعالى عما يقولون علوا كبيرا_ فى قصيدته أو كتبه فهذه هى أسمى آيات حرية التعبير والمطالبة بأن يقول من يريد ما يريد فى أى وقت ولا سلطة لأحد على أحد، أما إذا اعترض أحد على هذه الآراء، قامت الدنيا على من اعترض وصار متهما بأشنع الألفاظ ومعاداة الرأى والتخلف وعدم الفهم، وكأن حرية الرأى والتعبير اقتصرت على من يشتم الدين فقط، أما من يدافع عن دينه فللدين رب يحميه!!
الغريب أن كل من ينادى بالابتعاد عن هذه الفرائض والسنن بدعوى التركيز فى العلم والتقدم لم يفعل أى شيء فى سبيل هذا العلم والتقدم، ولم يتقدم أى منهم قيد أنملة فى طريق النبوغ، فالممثل صاحب الزعامة الذى يتقاضى ملايين الجنيهات فى الفيلم الواحد لم يفعل شيئا للعلم والتقدم إلا إذا اعتبرنا "البوس الهادف" من منتجات المركز القومى للبحوث، والكاتب الذى شنف آذاننا بتحرره ودعوته لتحرير الدين من هذه الأفكار الرجعية لم نره يوما يقدم فكرة واحدة لرفعة بلده، اللهم إلا بعض لقاءاته فى القنوات الفضائية التى يتقاضى على كل منها آلاف الجنيهات فى الاستديو المكيف وأمامه المياه المعدنية وتنتظره سيارته المكيفة، والمخرجة التى صدَّعتنا بدعوتها إلى حرية المرأة ونضالها الدائم من أجل أن تتحرر المرأة من قاهرها وظالمها ذلك الرجل الذى ينفث النار من أنفه، لم تقدم فكرة واحدة قابلة للتطبيق ولم تقدم شيئا نفع أحدا.. لا رجلا ولا امرأة ولا حتى سحلية!!
إننى لا أدعو لأن نتجه كلية للدين ونترك دنيانا فقد أوصانا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن نزرع الفسيلة التى فى أيدينا حتى ولو قامت القيامة وهذه دلالة على تأصيل معنى العمل الدنيوى، ولكن كل ما أدعو إليه ألا يصوَّر الدين دائما على أنه "بعبع" وما زال خارجا من الكهف "طازة".. إن ديننا الإسلامى دين يسر، يقبل التطور والتقدم ولكن فى حدود تشريعاته وليس على حسب هوى كل من ملكه هواه!
المشكلة أن كل واحد من هؤلاء يريد ديناً على مقاسه.. فالراقصة تريد ديناً يشجع الرقص.. والفنان يريد ديناً يأمر بالقبلات وخاصة إذا كانت فى سياق الدراما، والشاعر يريد دينا يسمح بسب الله والرسول بدعوى حرية التعبير.. كل منهم يريد دينا (كاجوال).. دينا (مودرن).. دينا ليس موطنه الأصلى هو مكة المكرمة وإنما موطنه الأصلى.. (سيتى ستارز)!!

Original Post

0 comments:

Post a Comment